الثلاثاء، 19 فبراير 2013

تاريخ سوريا من 1926-حتى اواخر 1935



بعد انتهاء الثورة السورية الكبرى في اواخر عام 1926 , حدث خلالها تعيين المفوض الفرنسي هنري دو جوفونيل (1925-1926)  الذي حاول مع (تاج الدين الحسني) ليستلم رئاسة البلاد بدلا عن( صبحي بركات) المستقيل احتجاجا على تقليص سلطاته , و تفاوض الحسني على عدة شروط رفضها المفوض الفرنسي , فقام الاخير بالاتصل بهاشم الاتاسي و هنانو فرفضا هما الآخران حيث كانا يرفعان شعار (لا تفاوض قبل الجلاء) (1) بالرغم من ان هذا الشعار اسقط لاحقا من حساباتهم و أبدوا استعدادهم للمشاركة في الانتخابات (2) بل ان هاشم الاتاسي كان رئيس اللجنة الدستورية عام 1928. فأحضر دو جوفونيل شخصا شركسيا من بيروت هو (الداماد احمد نامي) و كلمة (داماد) تعني بالفارسية (الصهر) حيث كان صهر السلطان عبدالحميد الثاني وكان شخصية ضعيفة جدا امام الفرنسيين, فشكل حكومة كان من بينها (فارس الخوري ,يوسف الحكيم ,شاكر الشعباني و حسني البرازي) لكن لم تستمر حكومته طويلا فبعد ذهاب دو جوفونيل الى باريس حيث تم استدعائه ,قام الفرنسيون بقصف حي الميدان في دمشق و احراق العديد من منازله  و نشروا (قوات الشرق الخاصة) التي اخذت بإطلاق النار عشوائيا على كل هارب سواء كان طفلا ام امرأة و قصف الحي بالطائرات فاستقال بعض اعضاء الحكومة احتجاجا وتم نفيهم الى الحسكة  , وفي فرنسا تم تعيين المفوض (هنري بونسو) والذي كان اطول  المفوضين بقاء في سوريا حيث بقي 7 سنين متتالية (1926-1933) فقام بتعيين تاج الدين الحسني رئيسا للحكومة في 1928 و اجتمعت لجنة تأسيسية لكتابة الدستور السوري و بعد أن أقرته اعترض (بونسو) على بعض المواد وطلب حذفها  واضافة مادة تقوم بتقييد الرئيس (المادة رقم 116 الشهيرة) فرفض النواب و لكن الحسني وقف مع رأي المفوض , والسبب في ذلك هو اكتشافه ان اغلب النواب يرغبون بإبراهيم هنانو رئيسا للجمهورية بدلا عنه فتباينت مواقفه مع (الوطنيين) و حصل الخصام بينهم , ولكن هذا الدستور وافق عليه الاتاسي لاحقا بكل مواده بعد توقيع المعاهدة الفرنسية سنة 1936.(3)
تاج الدين الحسني و المفوض الفرنسي هنري دو جوفونيل

 في هذه الفترة سمحت فرنسا للأحزاب السياسية بالعمل , فتشكلت (الكتلة الوطنية) التي تكونت من بعض اعضاء حزب الشعب المنحل بعد فرار زعيمه الشهبندر الى مصر, وبعض السياسيين الوطنيين حيث تم الاجتماع في حمص بتاريخ 4/11/ 1932 وكان من مبادئها نشر القومية و انمائها و (تغذيتها) و منع تشكيل احزاب سياسية اخرى وذلك من اجل تجميع الجهود (وهذا كان له اثر سلبي لاحقا عند عودة الشهبندر) , فتم اختيار هاشم الاتاسي رئيسا و ابراهيم هنانو (زعيما؟) وسعدالله الجابري و جميل مردم و شكري القوتلي و عبدالرحمن الكيالي و فارس الخوري كأعضاء دائمين , اما باقي الاعضاء فكانوا 33 بالاضافة للدائمين كان منهم (ميخائيل اليان ,ونسيب البكري و ناظم القدسي و رشدي كيخيا و فائز الخوري و نعيم الانطاكي وفخري البارودي) (4) وتم الاتفاق على ان تكون هناك انتخابات عامة للرئاسة , لكن حصل فيها التزوير فأراد هنانو وبعض من معه مقاطعة المجلس لكن فائز الخوري وشقيقه فارس و هاشم الاتاسي و جميل مردم قالوا بالكفاح من داخل المجلس و ترأس وفد حزب الكتلة الوطنية وقتها (فارس الخوري) للمشاركة في الانتخابات و التي فاز بها (محمد علي العابد) في 9/6/1932 , وبذلك كان اول رئيس يعتبر منتخبا في تاريخ سوريا لكنه كان رئيسا صوريا فقط. وتم تعيين حقي العظم (الموالي بشدة للفرنسيين) رئيسا للحكومة و كان الانتخاب قد تم بينما المدافع كانت قد نصبت حول دمشق استعدادا لأي عمل يمكن ان يقوم به الاهالي(5) .  و تم  تأسيس (الحزب القومي السوري) برئاسة انطون سعادة (لبناني) وهو حزب فاشي متطرف ارتبط اسمه كثيرا بالاغتيالات واعمال القتل السياسي ومحاولات الانقلاب العسكري , و ايضا ظهر اسم خالد بكداش كممثل للحزب الشيوعي في سوريا مدعوما من الحزب الشيوعي الفرنسي وكان معظم اعضائه من الاكراد الذين يعرفهم بكداش, كذلك تم انشاء حزب (عصبة العمل القومي) التي كانت على خلاف في اغلب الاحيان مع (الكتلة الوطنية) . في تلك الاثناء كانت الحكومة الفرنسية  تحاول تغيير ديموغرافية البلد باستجلاب مسيحيين ارمن و يونانيين, ففي نهاية عام 1932 بلغ عدد اللاجئين المسيحيين الذين دخلوا سوريا  قرابة 120 الف مهاجر تم توطينهم في شمال سوريا و منطقة الجزيرة (6).
في منتصف 1933 ذهب المفوض (بونسو) الى باريس و كان قد سبقه الى هناك صديقاه (تاج الدين الحسني) و (صبحي بركات) وكان بونسو قد استنجد بهما ليدعما منصبه  لدى الوزارة بعد ان استشعر بخطر تغييره  ,ولكنه لم يفلح في ذلك فتم نقله الى المغرب و تعيين (الكونت دو مارتيل 1933-1938) بدلا عنه وذلك بعد ان احست الدولة الفرنسية بطول المفاوضات التي كان يقوم بها (بونسو) .و عند مجيئ المفوض الجديد تم استقباله استقبالا حافلا و كان من ضمن الذين استقبلوه (الكتلة الوطنية) حيث قدم من بيروت و عاد اليها لاحقا بعد 3 ايام و بقي يتنقل بين العاصمتين . قام دو مارتيل بمحاولة تمرير معاهدة بين فرنسا و سوريا تقوم بتقييدها اكثر , فانسحبت الكتلة الوطنية من حكومة (حقي العظم) و رفعت مجددا شعار (لا تعاون ولا تفاوض) ولكن هذه المرة وضعوا شرط (قبول فرنسا بوحدة سوريا) فوضع المفوض بدلا من مردم و رسلان (العضوين المنسحبين ) كلا من شاكر الشعباني و سليم جنبرت , ومن الامور الغريبة التي حصلت ان سليم جنبرت بالرغم من وضعه كوزير اشغال عامة في حكومة اعتبرها الناس عميلة للفرنسيين الا ان اراء الناس تغيرت بسرعة بعد ان رفض سليم جنبرت المعاهدة الفرنسية مخاطبا المفوض الفرنسي قائلا (إني احب فرنسا و لا يمكن الطعن في عاطفتي نحوها و لكن هذه المعاهدة ستجر عليكم المصائب) بعد عودته الى حلب خرج الناس في من الجامع الاموي يحملونه على الاكتاف وهم يهتفون (لا اله الا الله سليم جنبرت حبيب الله) بالرغم من ان سليم جنبرت كاثوليكي , وكان الناس وقتها للأسف يقبلون بأي نوع من التنازل و يعتبرونه انتصارا مبهرا , فبعد التنازل عن مبدأ (عدم التفاوض مع المحتل) الى التنازل عن مبدأ (عدم القبول بالانتخابات المزورة) الى التنازل عن مبدأ (مقاطعة الوزارة المعينة فرنسيا) , اصبحوا فرحين بعدم توقيع معاهدة مع المحتل , و من المثير للسخرية انه لاحقا تم توقيع معاهدة اشد منها في حكومة جميل مردم بعد اقل من 5 سنوات ! , و كذلك من الامور المماثلة ايضا ان (صبحي بركات) المعين من الفرنسيين كرئيس لمجلس النواب قام بإثبات رفض نواب المجلس للمعاهدة الفرنسية السابقة, ففرح الناس بذلك واخذوا يتدفقون على بيته و يهتفون بحياته , وهو الذي كان يتعقب الثوار وابراهيم هنانو حتى القبض عليه ,و الذي ايضا تم قصف دمشق اثناء وجوده كرئيس صوري للحكومة و بقائه بها اكثر من 3 سنين بعد ذلك , و أصبحوا يعتبرونه رجلا وطنيا صالحا لموقف لا يقدم ولا يؤخر (7).
(من اليمين لليسار) جميل مردم عضو الكتلة الوطنية - المفوض الفرنسي الكونت دو مارتيل - عضو الكتلة الوطنية شكري القوتلي

قامت فرنسا بإقالة (حقي العظم) و( محمد العابد) ووضعت حكومة جديدة برئاسة (تاج الدين الحسني) تضمنت اسماء بارزة مثل( حسني البرازي و جميل الالشي و عطا الأيوبي) و ذلك في 7/3/1934 بعد ان بقي حقي العظم رئيس حكومة على عهدي المفوضين (بونسو و دومارتيل ) , وكانت وزارة (تاج الدين الحسني ) اطول الوزارات عمرا في فترة الانتداب حيث استمرت (24) شهرا , قامت خلالها فرنسا بجلب المزيد من المسيحيين و لكنهم هذه المرة كانوا آشوريين وكانوا بضع مئات من العائلات (500 عائلة ) وعندما احتج السوريون على ذلك ,تعللت فرنسا بأن القرار تم اتخاذه من( عصبة الامم المتحدة )و أن الشكوى تقدم اليها و ليس لفرنسا , كما تمت محاولة جلب بعض اليهود لإسكانهم في انطاكية و لكن هذا المشروع تم توقيفه لاحقا .(8) في اواخر عام 1935 قام السوريون بالإضراب المشهور (الاضراب الستيني) الذي استمر شهرين متواصلين احتجاجا على الممارسات الفرنسية و الذي اثار اعجاب العالم كله و كان ذلك الاضراب اكثر صفحات سوريا الحديثة بياضا , فقد تضامن العالم الاسلامي معهم ,فأضرب طلاب الازهر في مصر و ارسلوا برقية احتجاج لعصبة الامم كما أرسل مجلس الشيوخ العراقي و مجلس النواب برقيات مماثلة ايضا لعصبة الامم  ,و زار وفدٌ من مجلس الشيوخ العراقيين دار المفوضية الفرنسية ليسجلوا احتجاجهم، وأضربت المدن اللبنانية تضامنا مع سوريا و أٌرسلت برقيات احتجاج إلى عصبة الأمم باسم مدن بيروت وطرابلس وصيدا وصور وجبيل وغيرها، وأضربت انطاكية ايضا، ودعا الحزب العربي الفلسطيني في القدس بالإضراب تأييداً للسوريين , و يصف الشيخ (علي الطنطاوي) رحمه الله تلك الايام في دمشق قائلا "لا تجد فيها حانوتاً واحداً مفتوحاً مقفرة أسواقها... فتعطلت تجارة التاجر، وصناعة الصانع، وعاش هذا الشعب على الخبز القفار، وطوى ليله من لم يجد الخبز، ثم لم يرتفع صوت واحد بشكوى، ولم يفكر رجل أو امرأة أو طفل بتذمر أو ضجر، بل كانوا جميعاً من العالم إلى الجاهل، ومن الكبير إلى الصغير، ا رضين مبتهجين، يمشون ورؤوسهم مرفوعة وجباههم عالية، ولم نسمع أن دكاناً من هذه الدكاكين قد مُسَّ أو تعدى عليه أحد، ولم يسمَع أن لصاً قد مدَّ يده خلال هذه الأيام إلى مال، وقد كانت الأسواق كلها مطفأة الأنوار ليس عليها حارس ولا خفير"(9) .

 يمكن ملاحظة في فترة الثلاثينات, أن سياسة فرنسا المعادية للمسلمين السنة خفت وتيرتها بعد أن كانت تجند ابناء الاقليات من النصيرية و الاسماعيليين والدروز والشركس و غيرهم , فقامت سياسة بونسو و من بعده (دو مارتيل – 1933-1938) بالتقرب أكثر من المسلمين السنة عن طريق افتتاح كلية حربية لهم في حمص سنة 1932 و ايضا اجراء المفاوضات مع الوطنيين من اجل ضم دويلة العلويين و الدروز الى حكومة دمشق وحلب وذلك  بسبب ارتفاع تكاليف ادارتهما الباهظة على الفرنسيين (10).و ربما يعود ايضا سبب تغيير سياسة فرنسا نحو اللين اكثر من التشدد  واتجاهها نحو تسكين السوريين و المماطلة اكثر معهم,  هو الخطر الذي بدأت تلوح معه الحرب في الافق  بعد ان اشتد ساعد النازيين بوصول( ادولف هتلر) للحكم منذ عام 1933 و بدء سباق التسلح الالماني , والذي غير كثيرا من المعادلات وقتها .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق